طلال الحمود
إعلامي وكاتب سعودي، رئيس تحرير الأخبار الرياضية في قناة العربية.
TT

أحمق أمستردام

استمع إلى المقالة

اتخذ الاتحاد الأوروبي لكرة القدم إجراءات سريعة خلال الأسبوع الحالي للحد من انتشار العنف في شوارع القارة ضد مشجعي نادي مكابي تل أبيب، وقرر عدم إقامة مباراته المقبلة أمام بشكتاش التركي في إسطنبول واختيار مدينة ديبريسين المجرية لاستضافة اللقاء وراء أبواب مغلقة، تحسباً لوقوع أحداث مماثلة لما شهدته أمستردام.

وشهدت العاصمة الهولندية أمستردام ليلة لا تنسى عقب انتهاء مباراة أياكس وضيفة مكابي تل أبيب ضمن منافسات الدوري الأوروبي، إذ تحولت شوارع المدينة إلى ساحة للحرب والضرب بين مشجعي الفريق الإسرائيلي ومناصرين للقضية الفلسطينية، في مشهد أدى إلى ردة فعل واسعة وإرسال طائرات لإخلاء مشجعي مكابي من هولندا، لتأمين عودتهم إلى مطار بن غوريون خوفاً من تعرضهم للأذى.

ومع أن مشجعي الفريق الإسرائيلي عاشوا ليلة حالكة السواد في أمستردام عقب تعرضهم للركل والسحل، فإن ما حدث كان نتيجة لتصرفات هؤلاء المشجعين منذ وصولهم إلى هولندا، حين بدأوا بالتجمع وترديد الهتافات المعادية ضد العرب، قبل أن يصعد بعضهم إلى واجهات المنازل لتمزيق الأعلام الفلسطينية، فضلاً عن عدم الوقوف دقيقة صمت قبل المباراة حداداً على ضحايا الفيضانات التي اجتاحت إسبانيا، وصولاً إلى ترديد هتافات بعد انتهاء المباراة تنادي بقتل العرب، وانتهاءً بالمشاهد التي تظهر ردة الفعل من الجانب المؤيد لفلسطين ومطاردة مئات الإسرائيليين في شوارع العاصمة التي تعج بالجاليات العربية والمسلمة.

ما فعله الجمهور الإسرائيلي وما تعرض له، قاد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى مطالبة مواطنيه بعدم إظهار ما يكشف عن هويتهم، وعدم حضور المباريات والمناسبات الجماهيرية، في سابقة لم يعرفها هؤلاء القوم في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، كما دفع وزير الداخلية الفرنسي لتخصيص قوة أمنية من أربعة آلاف جندي لتأمين مباراة منتخب بلاده ضد نظيره الإسرائيلي في باريس، علماً أن نتنياهو نصح مواطنيه بعدم الذهاب إلى الملعب حرصاً على سلامتهم.

ولم يكن الشاب العبري الذي صعد إلى واجهة أحد المباني وقام بتمزيق العلم الفلسطيني، يتوقع أن ينتشر مقطع الفيديو عبر وكالات الأنباء ويتسبب في توجه مئات الغاضبين نحو ملعب يوهان كرويفارينا للاشتباك مع مشجعي مكابي تل أبيب وتأديب من يجدونه بالضرب والسحل أو حتى الرمي في النهر، وربما كان الشاب الإسرائيلي حين قام بتصرفه هذا تحت تأثير وهم القوة والتفوق فوق كل أرض وتحت أي سماء، ما جعله ينسى مع رفاقه أن ردة الفعل من الجانب الآخر أمر لا يمكن التنبؤ بنتيجته، حتى لو حضرت الشرطة الهولندية في كل شوارع أمستردام.

ويبقى أن استغلال المناسبات الرياضية لترويج الكراهية وترديد الهتافات العنصرية ظاهرة من شأنها تحويل ملاعب كرة القدم إلى مكان للاقتتال وتصفية الحسابات على أساس عرقي أو ديني أو سياسي، ما يستدعي تدخلاً سريعاً من الاتحادات القارية والدولية للقيام بدورها نحو إبعاد اللعبة الشعبية الأولى في العالم عن الصراعات، من خلال منع الجماهير المشاغبة من دخول الملاعب، وفرض عقوبات على الاتحادات المحلية بدرجة تجبرها على اتخاذ إجراءات داخلية تمنع مرافقة المشاغبين و«البلطجية» للفرق والمنتخبات حين تخوض مبارياتها في الخارج.