حب وحرب لمؤلفته لارا احويت/الفصل السادس عشر
أشيحي وشاحَ الشحِّ عن وجهكِ البدرُ، تعالي يا براءةَ السماء، تعالي يا طُهرَ الأرض، يا رونقَ الزهور، ويا هدوءِ اللون الأزرق، تعالي إلى أحضانِ مملكتي، تعالي لأتوجكِ أميرةَ الياسمين، لأبنيَّ لكِ عرشاً من زهورِ النرجس والدحنون، وأنا الذي أقسمتُ ألا أخون أهدي ميثاقَ قسمي لربِ السماء، ليشهدَ وملائكتهُ وجنودهِ بالسماءِ والأرضِ على حُبكِ، وإنني حرمتُ الحياةَ على نفسي إن رأيتُ دمعةً تلوحُ لي بعيونِ النعناع .
كانت منى بعيداً تنتظرُ العجوز التي قد وصلت إليها لتو، وبدأتا المسير نحوَ المنزل، وكانَ سامرٌ بهذهِ الأثناء يتبعهما، إلى أن دخلتا المنزل، فنظرت العجوز عبرَ النافذة للخارج لتتأكد أنَ سامر قد لَحِقَ بهما، فاطمئنت حينَ رأتهُ وعلمت أنهُ جاد بإصلاحِ ما دمرهُ.
العجوز : منى تعالي إلى هنا يا ابنتي.
جاءت منى و جلست بجوارِ العجوز في الصالة، وهي في قمةِ الهدوء.
العجوز : لابدَّ أنكِ تفكرينَ بالموضوع، أليسَ كذلكَ ؟ منى : نعم يا جدتي، شيءٌ بداخلي يجعلني مسرورة أن بأحشائي طفل ربما أرادَ الله أن يعوضني به عن حرماني من أهلي وأحبتي، ولكن ما يقلقني يا جدتي الزواجَ من ذاك الشاب، أنا أريدُ قتلهُ والقدر يُجبرني على الزواجِ منهُ.
العجوز : قد أخبرتُكِ أنَ الله حكيمٌ يهيءُ كل الأقدار لحكمةٍ نجهلها ولكن سندركها لاحقاً، دعِ الأمور تسيرُ وحدها بمشيئةِ الله، وهذا الزواج قد اخترتهُ لكِ لمصلحةِ ابنُكِ، لأنه غداً سيكبر ويختلط بمجتمع لا يرحم، تَزوجيهِ حتى تنجبي الطفل وحينها افعلي ما تريديهِ.
اقتنعت منى بكلام العجوز وقررت داخلَ نفسها أن تتحملهُ طيلةَ فترةِ حملها، وتتركهُ بعدها. ذهباتا لنومِ بعدَ يومٍ حافلٍ ومتعب، لكنَ العجوز لم تنم بقيت قلقة تفكرُ بالقادم، فإن عَلمَ ملكُ البلاد بحملِ منى وهي بدونِ زوج، خاصةً بعدَ معرفتهِ الخاطئة باغتصابِ سليم لها وقتلها إياهُ، سيقتلها هي وطفلها، وبينما هي تفكر نامت عفوياً. سليم ذاكَ الجزء المهمشِ من الحرب، المهمشِ من سجائرِ حراسِ الملك، يقرعُ نافذةَ منى، منى تركضُ مسرعةً نحوَ النافذة لترى سليم وتتفاجأ بهِ، فتهطلُ دموعَ عينيها شوقاً وحباً وفرحاً بقدومهِ.
منى : جميعهم قالوا أنكَ مت، لكن ضلَّ الأملُ بقلبي.
سليم : لا لم أمُت، جئتُ لأوصيكِ بطفلكِ.
منى : وكيف عرفتَ بخبرِ حملي ؟
سليم : من شدةِ حبي لكِ تصلني أخباركِ
منى : سليم إذاً تعرفُ أنَ سامر ذاك الشاب الذي اغتصبني يريدُ الزواجَ مني.
سليم : أعلم وعليكِ الموافقة.
منى : وأنتَ هل تخليتَ عني بسببِ ما حصلَ معي؟
سليم : لا، ولكن عليكِ الموافقة، وأنا كما أخبرتكِ أوصيكِ بطفلكِ.
منى : من ماذا توصيني عليه ؟
سليم : منى حبيبةَ قلبي انتبهي لهُ فقط، وأول الأمور وافقي على الزواجِ من سامر.
منى : حسناً سأفعلُ ما طلبت.
سليم : والأن سأذهب، من فضلكِ أرسلي إليَّ ضفيرتكِ، إلى اللقاءِ.
منى : لا، لا ترحل، إلى أينَ أنتَ ذاهبٌ ؟
استيقظت منى من نومها وهي تحتضنُ وسادتها، ودمعتها تسيرُ على خدها، لتدركَ أنها كانت بِحلمٍ، بدأت تتذكرُ وجهُ سليم الذي رأتهُ بالمنام، وصوتهِ، ونظراتِ عيناهُ لها، فخرجت من غرفتها مسرعة لترى العجوز بصالةِ جالسة، جلست بجوارها وقصت عليها حلمها.
العجوز : سليم يرسلُ لكِ ثلاثُ رسائل، الأولى؛ أن تحافظي على ابنكِ، والثانية؛ الزواج من سامر وهذا سيساعدكِ بالحفاظِ على طفلكِ.
منى : والثالثة يا جدتي ما هي ؟
العجوز : لا تشغلي بالكِ بها، الآن عليّ الذهابُ لسامر لتجهيز بطاقاتِ الدعوة والإستعدادات لحفلكما غداً. منى : حسناً يا جدتي رعاكِ الله.
ذهبت العجوز إلى سامر وفي طريقها كانت تفكرُ بحلمِ منى، كانت خائفة على الطفل فهي تعرفُ أن الموتى بدار الحق لا يلفظُ لهم قولاً إلا كانَ صحيحاً، أسئلة كثيرة كانت تدورُ برأسها، وما يقلقها أكثر الرسالة الثالثة التي أرسلها سليم لمنى في الحلم ولم تفصح عنها هي لمنى، تمنت خيرَ المنام لمنى وطفلها، وأخيراً وصلت إلى سامر.