تجربتي في توثيق وتدوين التراث الشعبي الفلسطيني
الباحث عباس نمر
مدير مديرية إحياء التراث
في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية
عضو إتحاد المؤرخين العرب
الحمد لله الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وبعد ،
إيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته إنني أقف الآن بينكم تلبية لرغبة جامعة القدس المفتوحة في منطقة رفح التعليمية ، وإن لينازعني شعوران متناقضان ..
1ـ شعور الفخر والاعتزاز بمؤسساتنا الفلسطينية الرائدة التي ما برحت تنفث تشجيعاً في أرواح الباحثين وتقدر لهم جهودهم المضنية ، وتحثهم على المزيد من البذل والعطاء ، خدمة لفلسطين العزيزة ، لهذه الأرض الطيبة المقدسة التي جبلت بدماء الأجداد والآباء من قبل الأحفاد والأبناء من بعد ، هذا شعورنا الأول على منابر هذه الجامعة الفلسطينية الخالدة جامعة القدس المفتوحة .
2ـ وأما الشعور الآخر فهو الحزن الغاضب ، لما أصاب بلادنا ومقدساتنا من عبث الاحتلال ، والانتداب البريطاني ، الذي توج النكبة عام 1948م ، وجاءت النكسة عام 1967م باحتلال بغيض واستبدال لملامح الوطن الرؤوم .
اليوم حصار وإغلاق قتل ، اعتقالات ، ظلم ، شوارع التفافية ، جدار وجدار توسيع للمستعمرات سحب للهويات ، ومضايقات لأبناء القدس .
هذا عدا المشاكل بين الأخوة في غزة هاشم والفلتان الأمني .. ونزوح الأهل والمعارك في نهر البارد.
أيها الأخوة الكرام ...
إن الإعداد لهذا المؤتمر ، ليس عبثاً ولهواً وتمتعاً وتضييعاً للوقت بل كان من ذكاء وتخطيط محكم لعقول جبارة وأفئدة ذكية وقلوب واعية ونفوس بصيرة .
هذه جامعة القدس المفتوحة تزخر بالشخصيات التي تهوى التراث وتعشق التاريخ وتبذل من الوقت والمال في البحث عن التراث والتنقيب عن جذوره وتراثه ، أمثال راعي المؤتمر رئيس جامعة القدس المفتوحة الأستاذ الدكتور يونس عمرو حفظه الله والأستاذ الدكتور عدنان قاسم نائب رئيس جامعة الجامعة لشؤون قطاع غزة والدكتور المعطاء محمد زيدان مدير منطقة رفح التعليمية وفارس هذا الميدان على مستوى الوطن الأستاذ والمؤرخ جهاد سليمان سالم المصري ، المشرف الأكاديمي في جامعة القدس في منطقة رفح التعليمية ، ومن لا تراث له لا حضارة له ومن لا حضارة له لا تاريخ له ومن لا تاريخ له لا وجود له .
وقال المقال الشعبي الفلسطيني : (إلي ملوش خير في قديمه ملوش خير في جديده )
فالتراث تلاحم بين الحاضر وعراقة الماضي وأمجاده وثقافته وأطيابه، تأبى شهامته إلا حمل الأمجاد التليدة.
قال الشاعر :
خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصبا لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
ومن هنا كانت العودة إلى التراث ألفة واستئناسا بأهله ووفاء وإخلاصا للأجداد والآباء الذين عملوا كل ما استطاعوا في الحفاظ على الأرض والعرض وتوفير السعادة لأبنائهم ولأحفادهم من بعدهم .
أيها الحفل الكريم...
إن تدوين وتوثيق التراث الشعبي بجهد الحاضر ما هو إلا محاولة ثقافية جادة لإحياء التراث وحفظه من الاندثار، ولكي يظل التراث في ذهن ووجدان كل فلسطيني وفلسطينية لابد من رحلة إلى معرفة هذا التراث.. رحلة في ذاكرة أهل فلسطين.
وأن ندون الحوادث كما حدثت، وأن نذكرها كما هي قبل أن ينسج عليها الدهر خيوط النسيان .
أيها الحضور الكريم...
إن التصدي لتدوين التراث الشعبي ليس بالمهمة اليسيرة، لأن العمل في هذا المجال يتطلب من الباحث التحلي بالجلد والصبر، فالمتصدر لهذا العمل ينبش عن الجذور، ويبحث عن ماض في صدور قلة من الرواة المتبقين على قيد الحياة، ويتجول في ذاكرة أرهقتها سنوات العمر وهموم الحياة، خاصة إذا تحدثنا عن تراث الشعب الفلسطيني الذي تشتت أهله، وتعرض للانتهاكات والاعتداءات كما تعرض أهله .
لقد أمضيت سنوات طويلة من عمري في تدوين التراث الشعبي الفلسطيني ونشره عبر المطبوعات ومحطات التلفزة والصحف وغيرها من وسائل الإعلام المختلفة، وقد كانت هذه السنوات من ضمن السنوات التي تحتسب في عمري رغم كل المشاق والمعاناة التي واجهتني، ذلك أن هذه المهمة تعتبر مهمة وطنية شريفة، بل هي شكل من أشكال المقاومة ضد كل محاولات الطمس والتشويه .
لقد حاولت خلال عملي هذا أن أحافظ على هوية الإنسان الفلسطيني، وأن أحافظ على روح الأمكنة الفلسطينية، فبذلت قصارى جهدي كي أعيد بناء الوطن الضائع في مخيلة أبناء جيل ما بع النكبة، وأن أعزز ثقافة حق العودة بين فئات المجتمع الفلسطيني في الداخل والشتات، وأن أروي أشجار البرتقال العطشى، وأشعل جمار الطابون الخامدة، وأستحضر الأهازيج الدائمة في مواسم الحصاد وقطاف الزيتون، ... كل ذلك لكي يبقى الوطن عالقاً شاهقاً في الذاكرة الفلسطينية، وعامراً وخالداً في نفوس أبناء العب الفلسطيني.
لقد كنت أكثر الناس سعادة وأنا أسير بين متاهات ذاكرة الوطن...
كانت أشواك الصبار تخزني حباً، وهوام الأرض تلسعني شوقاً...
كانت طيور الوطن تزف مسيرتي، وسحاباته تمسح عرقي، وأمطاره تغسل أرقي، وبريقه ينير طريقي... عندما كنت أرقب الوطن الضائع من خلف قضبان الذاكرة، وأتفحص عوالمه من خلال نوافذها.. كان الوطن يطل علي بابتسامته الجميلة ورائحته الزكية، كان يمد يده لي لأصافحه، ولكن يداً دخيلة حالت بيني وبين مصافحة وطني، فعدت لأقف خلف قضبان الذاكرة كي أبقى مطلاً على وطني أحدق في وجهه لا أفارقه، حتى تأتي لحظة اللقاء الكبير... وهي بالطبع لن تطول .
وعليه فقد بذلت الجهد بقدر ما استطعت في سبيل تدوين التراث الشعبي الفلسطيني، معتمداً على الله كل الاعتماد، ثم الاعتماد على الاتصال المباشر مع كبار السن أثناء تدويني للقرى المدمرة أو الحياة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والأزياء الشعبية والعادات والتقاليد .. الخ .
ونحن الفلسطينيين لنا الكثير من التراث الأثري والمعماري من قصور وقلاع وحصون، ومساجد، وكنائس، وتكايا وزوايا ومخطوطات ووثائق خلفها لنا الأجداد، فتراث الأمة هو سيرتها، والماضي يضيء لنا طريق الحاضر والمستقبل، لقد بعثت الشعب الفلسطيني عن جذوره وتراثه، ليس هرباً إلى الماضي من مواجهة الحاضر، بل إصراراً على الصمود، وتجلية للعراقة التاريخية، للممارسات الظالمة التي تهدف إلى لقاء الشعب الفلسطيني وحقوقه في هوة النسيان.
وكم هي الصلة وثيقة بين الإنسان الفلسطيني وتراثه الشعبي، إذ لا شعب بلا تراث، ولا تراث بلا شعب.
ومن هنا جاء تعامل المحتل مع تراثنا الأصيل، بطمس معالمه وسلبه وتفريغه من مضمونه وقطعه عن جذوره، وصولاً إل إنكار وجود أصحاب هذا التراث، وعراقتهم وحقهم في احتلال مكانهم اللائق بهم تحت الشمس.
وأخيراً تبقى تلك الذكريات بروايتها الشفوية، نواقيس تدق في عالم الواقع المر الذي وصل إليه أهل فلسطين، نتيجة لتضافر قوى الشر عليهم، ونتيجة للأطماع الدولية للضعف العربي والاستسلام للواقع المهيمن.
ولما يحيق بالعالم العربي والإسلامي من ضعف وتفكك وفساد، هاهم بسببه يذوقون العذاب، وظلم الغرباء، وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند .
ومهما يكن من أمر، فإن الله لا يخلف وعده، ولنا كبير الأمل في تحقيق أحلام ذاكرة المكان، والرواية الشفوية بعودة الحق إلى أصحابه واعتدال الميزان .
لقاء مع الباحث التراثي الشيخ عباس نمر
اجرى اللقاء
الدكتور جهاد سليمان المصري
حول تجربته في توثيق التراث الشعبي الفلسطيني
س1: كيف يقع اختيارك على الموضوعات التي تدرسها وتبحث فيها؟
حسب الأهمية التاريخية والاجتماعية السياسية والموقع بأثره وآثاره وما فيه من نفائس تستجدي الكاتب الإحياء لتراث القدامى، فالتراث حياة يشمل كافة مناحي الحياة .
س2: كيف تختار عينة الرواة الذين تلتقيهم وما هي مواصفاتهم ؟
يلعب كبار السن دوراً كبيراً في الرواية الشفوية متدرجاً من العالم كبير السن إلى الراعي الذي له مكانة اجتماعية أو غيرهم من الأشخاص الذين يلعبون دورا هاما في بناء المجتمع وذلك لكونهم بناة الحضارة وإن كان أداؤهم مع غيرهم بسيطة، فالتراث ينقل القدامى لنا عبر قصص النضار والعز والبطولة والمعاناة، وكما يقال: "قديمك قديمك لو إجديدك بغنيك" ويقال "إلي مالو اكبير مالو تدبير" .
س3: كيف تدفع الراوي إلى الإفصاح عما بداخله ؟
أفعّل ذهني بسماع قصص وأمجاد القدامى، وطرق المعيشة والأطعمة المحبب لهم، مما يستثير حافظته للحديث عما مضى ومر في ذاكرة نفّض غبارها حال هبوب نسيم الماضي، فإذا كان التراث حياة لربوع القلوب فنسيم التراث يكفي لإنعاش ذاكرة من فقد ذلك العزيز، كيف لا والتراث حياة الشعوب فالشعوب بلا تراث موتى يهيمون على ساحل البشرية .
س4: ما هي المشاكل التي اعترضتك عند تدوين الشهادات الشفوية وتحصيلها ؟
الكثير من القدامى لا يحبون التسجيل الصوتي ولا التصوير التلفزيوني، ويفضلون أن يدون الباحث بخد يده ما يقال .
س5: ما هي المنهجية والأسلوب الذي اتبعته في تدوين الشهادات الشفوية وتحصيلها؟
اتبعت طريقة الكتابة باليد، وقد وجدتها الطريقة الأنجع لدى كافة الرواة فكفا بنقش اليد تراثا يبقي التراث على صفحات التاريخ المضيئة، فالتراث إحياء وحياة.
س6:ما هي أهمية العمل الذي تقوم به ؟
لعل الكثير من الناس يتساءلون عن أهمية إحياء التراث، ولا نستطيع حصر الأهمية في نقاط بسيطة، ولكن نقول: "لكل بلدة مشكاة وفي كل مشكاة مصباح فلو أنرنا كل المصابيح لوجدت منظراً من الجمال علا النفس في بديع صنعه وعظم صنعته، فكيف بتاريخ الأمجاد ومحفل الأولاد .
س7: ما هي طموحاتك المستقبلية ؟
أن يكون هناك لكل بلدة أو قرية مشكاة فيها مصباح تنير دياجير الظلم راسمة لوحة المناضل الفلسطيني بنقش الأصالة والعز والفخار، آملا تجميع كل تلك الإشاعات في ضوء فلسطين الحرة الأبية .
س8: كيف تعالج الروايات التي تجمعها قبل اعتمادها مصدراً ؟
ألجأ إلى تجميع ما اتفق عليه الرواة كوحدة واحدة، وأما ما اختلفوا فيه أو تفرد أحدهم بذكره أجعل منه مجال للاختبار والتحقيق، إما بسؤال أهل العلم ممن لاح اسمهم وأصبحوا المرجع السهل للإجابة، أو مراجع ومصادر التاريخ إن كانت قد تناولت ذلك، وإلا أضع ما روي بذكر المختلف فيه والمتفرد بالشيء إن وجد .
س9: بماذا أفادتك هذه التجربة ؟
كانت الفائدة جمّة، منا ناحية معرفية واجتماعية وأخرى وظيفية، حيث زادت معرفتي بالبلدان وأنسابها وأحسابها، وفهمت فهماً دقيقاً كيف تكونت المنطقة بتشريحاتها السكانية والسياسية، مما جعلني عضواً في اتحاد المؤرخين العرب، وهذه شهادة أعتز بها، ومن اجتماعية توسعت دائرة العلاقات وأصبح لي في بلدة جوامع بشرية من صفوة القوم يشير علي بالبنان ويبسم قلبهم للقائي قبل اللسان، أما الناحية الوظيفية فهي التي جعلت من عباس نمر حامل شهادة التوجيهي نجم التراث الفلسطيني وأحج عمدائه في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية .
س10: إلى ماذا تريد أن تصل من خلال عملك هذا ؟
أريد أن أعلن الوفاء لأرض الإسراء والمعراج بخدمتها والحفاظ على تراثها وتاريخها، وإعلان الحق التاريخي لأهل فلسطين بالعودة إلى عروس القلوب ومهوى الأفئدة: " كيف لا والقدس محراب البشر والليل في أرجائها غنى لعهدك يا عمر ".
س11: بماذا تنصح الآخرين الذين يعملون في هذا المضمار ؟
أنصحهم بتحرّي الدقة باختيار طريقة المعاملة السليمة مع الرواة، واستحثاثهم على السرد، واستقصاء الخبر وانتهاج النهج العلمي في التدوين والتأريخ، فيه لا بغيره نحافظ على تراثنا بنقاء ثوبه وتجدده، وليعلم من يسعى إلى تراثنا لرسم صورته أن الأمانة والنزاهة العلمية في النقل فهي دلالة العالم .
س12: ما تعليقك على الأعمال الأخرى التي اطلعت عليها ؟
يوجد منها صفوة تدل على كاتبها وترطب فكر قارئها، وتكون بذلك المرجع والمصدر، ومنها ما هو متوسط، وآخر لا يرقى ليكون كتاب يقرأ .
س13: كيف نتوخى الموضوعية والدقة والنزاهة أثناء عملك ؟
دائماً أعزي القول لصاحبه، وأحرص على تناول الموضوع بكافة جوانبه بأسلوب شامل ودقيق وذي مصداقية عالية .
س14: هل الأعمال التي أنجزتها ساهمت في إطلاع الآخرين على عدالة القضية الفلسطينية وعلى عمق ثقافة وحضارة الإنسان الفلسطيني ؟
نعم، فكيف لا تساهم معالم المدن وحقائقها ووقائع الأحداث، حال معرفتها في إخراج طابع القضية برسم حقيقتها وأحقيتها، وزيادة ثقافة المرء بالواقع اتصالا وأسلوب المعاملة نقلا ووصل .
س15: ما هي مصادرك التي تستقي منها مادتك العلمية ؟
مصادري هي : الرواية الشفوية، وآراء العلماء والمؤرخين، والموسوعات التاريخية والمخطوطات، وكل ما يتعلق بالنواحي العلمية والأدبية .
س16: ما هو تقييمك للتاريخ الشفوي في فلسطين ؟
التاريخ الشفوي هو التاريخ حقيقة، وفي فلسطين خاصة له مصداقية إلى حد ما تجعل الكاتب يتفائل حين الدراية بفهم الناس لواقعهم ولسردهم تاريخهم بأمانة، لتعلن حفاظهم على أحقيتهم في بلادهم .
س17: ما هي أهم أعمالك في مجال التراث والتاريخ الشفوي ؟
أهم أعمالي هو فاتح الكتب وهو كتاب "قرية دير أيوب... قرية تتحدى الطمس" وهي قريتي، ثم تلاه كتب عدة، منها كتاب "مدينة اللد... بيارة الذكريات" وكتاب " مقدساتنا وأطماع اليهود"، وكل كتبي مهمة، ففيها أعالج جراحاتي وجراحات الوطن وآهات الثكلى والمنكوبين، وأبسم في طلعة لفلسطين .
س18: ما هي أهم مقومات نجاح العمل في مجال تدوين التراث والتاريخ الشفوي ؟
الأمانة والنزاهة والمحبة الناس ومحبة فلسطينـ وتحري الدقة وعلو الهمة والصبر الصبر، والكتابة المباشرة لأن ما فارق القرطاس والقلم ضاع .
س19: ما هي الأسباب التي دفعتك للعمل في هذا المجال دون غيره بحيث قضيت معظم حياتك في هذا العمل ؟
لما كبر والدي في السن – وكنت آنها وما زلت أحب الزجليات والعتابا والقصص التاريخية والتراثية –نصحني صديق لي بكتابة تاريخ بلادي مشافهة من والدي، الذي كان يعد تاريخ البلدة وسجلاتها رحمه الله، فأرخت كتاب لها – سبق ذكره – وبدت الطريق إلى الآن .
س20: هل لمثل هذه الأعمال أثر لدى جيل ما بعد النكبة ؟
نعم فهي القوت الروحي لأصحاب الدلعونة والمفاتيح والروح المتعلقة بالعودة لأرض الأجداد، فحال تذكرهم بالقراءة لأرضهم تفيض العيون بالدمع راسمة صورة الوطن على أجنحة بخفقان عائداً عودة روحانية إلى فلسطين الحبيبة، فهم ما زالوا يحتفظون بالمفاتيح فكيف حينما يقرؤون قصص أحبابهم وتاريخ بلدتهم، فكل ما ذكرناهم جعلهم في حلقة متصلة مع الداخل تنبض بقلوب لن تتخلى عن العودة ولو كانت تلك العودة جثماناً أوصي بدفنهم في بلادهم ولو بعد حين .
س21: ما هي مواصفات من يتصدى لهذا العمل حسب خبرتك وتجربتك ؟
من يتخلى عن ماضيه وينزع جلده فهذا سمك خرج من الماء فمات، وكفى بالأحياء طعناً أن تنفي صفة الحياء والحياة عنهم، فمن تصدى لإحياء التراث فلا حياة له، "واللي مالوش خير ابقديمه مالوش خير بجديده" .
س22: ما هي الأهداف الرئيسية من وراء هذا العمل ؟
الهدف هو إحياء التراث وإثبات الحق التاريخي للفلسطينيين في هذا البلاد، وإبقاء أزهار تبث العبق عبر التاريخ معلقة القلوب بالماضي ترسم الحاضر والمستقبل لتبقي شموع فلسطين متقدة في كل الآفاق، في الشتات وفي أحضان الكروم، بيم كفي النبع الروحي لحياة الشعوب .
س23: ما هي النتائج المتوخاه من وراء هذا العمل ؟
النتائج تعتمد بشكل رئيسي على عناصر عدة منها :
1- التأثر، وهي كنتيجة تؤدي إلى تعميق العلاقة بالوطن بغية الدفاع عنه، وهو خاص بأهل هذه البلاد ( العالم الإسلامي ).
2- التأثير مدى إقناع الآخرين بالحق التاريخي، وطريقة تناول الموضوع.
وإذا تم المراد من تأثر وتأثير كان التعلق بالأرض وإثبات الأحقية وطرح التراث كدلالة وسجل على ذلك دفعا للجهد على التواصل لاستعادة أرض الأجداد .
س24: هل أنت مطمئن وراضٍ عما قمت به ؟
نعم، ولكني أسعى لأنال درشجة المواطن المخلص لبلده، وذلك بالتنافس على نيل قصب السبق في مواضيع تاريخية لم تطرق بعد .
س25: أي الموضوعات التي تشدك للعمل بها وما هي أسباب ذلك ؟
الموضوع التي لم تطرق، وذلك كون المادة الصادرة تعد مصدراً لا مرجع، والتنافس في السبق درجة عالية تهفو إليها النفوس الطيبة .
س26: هل كانت هناك عوامل شخصية واجتماعية مؤثرة دفعتك إلى هذا الاتجاه ؟
سبق أن أوضحت سبب طرقي هذا الباب التراثي، فالعوامل الشخصية حبي للزجل، والاجتماعية وفاءً لبلدي ولوالدي فهو على رأس العوامل المؤثرة في ذلك .
س27: من هم الأشخاص الذين أثروا في ثقافتك في هذا المجال ؟
والدي والزجالون الشعبيون والشعراء، والأساتذة الأفاضل في الجامعات ومنهم : سليم بسط، فتح الله السلوادي، د.عبد اللطيف البرغوثي، والأستاذ جهاد المصري .
س28: هل عشقك للكتابة في التراث يدفعك نحو الحياة داخل دائرته وتقديس مفرداته وموجوداته ؟
نعم يدفعني عشقي للكتاب لذلك، لكن المفردات والمجودات لا تحصر إبداعي للوقوف عند حدود دائرة أو إطار .
س29: ما هي مصادر ثقافتك حول التراث وما هي العوامل التي كونت شخصيتك هذه ؟
كبار السن والكتب التي تناولت القضية والنكبة والباحثون عن حقيقة الواقع ومنهم: د. كمال عبد الفتاح، عارف العارف، مصطفى الدباغ، وأما العوامل المكونة لشخصيتي فمنها: طيب المنبت وصفاء القلب وشاعرية الروح وحب فلسطين .
س30: كيف يمكن للتراث والتاريخ الشفوي أن يحافظ على الهوية الوطنية ؟
يحافظ التراث على إبقاء دقات القلب بوعي فكري ووميض يرسل لفلسطين، وبذلك تعطيه هوية في الذاكرة مؤثرة عليه سعياً للرقي .
س31: ما هي علاقتكم مع صحيفة القدس ؟
العلاقة التي تربطني بصحيفة القدس ودية حميمة، يتعامل فيها الأخ مع أخيه بتفاعل الود والتآلف والانتماء يفعل ذلك العطاء الذي أقدمه، ويفعل العطاء بحسن المعاملة واللقاء .
س32: كيف كانت علاقتك مع المرحوم محمود أبو الزلف ؟
رحم الله "محمود أبو الزلف" الراعي الكبير والأخ القريب إلى القلب حيث كانت علاقتنا حميمة تكبر كل ما تقدمت الأيام، وكان الناصح المعلم، والأستاذ الذي ترجم الأقوال بالأفعال، وما تبدل حاله معي مع كثرة العُزّال، فرحم الله أخانا محمود أبو الزلف، فقد كان "الظل الوافر بالعطاء" .
س33: كثير ما يتردد على لسانك اسم الأديب والشاعر الفلسطيني إبراهيم عفانة، ما معنى ذلك ؟
حقيقة عندما يذكر الأستاذ إبراهيم عفانة، تبتهج القلوب سمعاً لأخبار حبيبنا وصاحبنا، فقد كان وما زال له الفضل علينا بالتدقيق والإخراج والتنسيق والتنميق، وقد علمنا حتى أصبحنا نستطيع الكتابة بلا أخطاء، كيف لا ونحن تلامذة ذلك الصرح .
س34: ما دور وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في إحياء التراث الفلسطيني ؟
عندما نقول ما دور وزارة الأوقاف في إحياء التراث وكأنكما ننقص من قيمة العمل المؤدى، فالأصل أن نقول كيف ساهمت وزارة الأوقاف في الحفاظ على التراث كماً ونوعاً؟ وهنا نقول : وزارة الأوقاف هي النبع الصافي والماء الزلال الذي أتى على الأرض العطشى فأنعشها وأحياها وحافظ عليها فنمت الموارد بسقائه لها، فقد جعلت قسماً خاصاً للتراث الفلسطيني بكل مداخله ومواطنه وقد أطلقت عليه اسم "مركز إحياء التراث الفلسطيني" فالاسم بكل دلالاته لد دور فعال، حيث حرصت وزارة الأوقاف على وضع كادر تقني وفني يقوم على جدولة المواد وفهرست المواضيع وترميم الوثائق والحفاظ عليها من عوامل التلف، ولذا أحرزت الوزارة قصب السبق في هذا الميدان، فدورها كان إحياء التراث .
س35: اذكر لنا عدد من شخصيات الوطن التي كان لها دور في إحياء التراث ؟
أجل كل من ساعدني في عملي ذاكراً الفضل الأكبر لمؤسسة إحياء التراث الفلسطيني أولاً، ومن بعدها تأتي صلة من الأحبة والأساتذة منهم : د. كمال عبد الفتاح، عارف العارف، مصطفى الدباغ، سليم البسط، فتح الله السلوادي، د.عبد اللطيف البرغوثي، والأستاذ جهاد المصري، والأستاذ عبد العزيز أبو هدبا، والأستاذ محمد الصفدي، والدكتور محمد غوشة، والأديب الأستاذ إبراهيم عفانة، والدكتور سميح حمودة، ومؤرخ القدس الأستاذ فهمي الأنصاري، وغيرهم .
س36: ما معنى النكبة لكم ؟
النكبة هي الضياع وكأن من نكب ضاع عن أهله ووطنه ومن بقي ضاعت هويته وسلبت شخصيته، فالنكبة تعريفاً: "هي ضياع فلسطين التاريخية بكاملها، بدءاً من العام 1948م إلى الآن، وما زالت آثارها واقعة بنا ولو أننا لم نعايشها .
س37: ما معنى النكسة لكم ؟
النكسة هي ما حصل في العام 1967م، فبعد الضياع والنكبة جاءت الضربة الثانية بضياع بقية فلسطين، وكأنما قد نكس الناس على رؤوسهم نكساً فقد عم الإذلال كامل الديار، فالذل أصبح بوجوه لا تعد ولا تحصى، منها الشتات وفقدان الأهل والسجن والحصار والتجويع وسلب الأراضي والإغلاق وكافة الوسائل التي أنكست الرؤوس وأذلت النفوس، فأضاعت الأهل والفلوس .
س38: ما معنى حق العودة وأنت مولود بعد النكبة ؟
حق العودة هو حق للصغير والكبير، من عايش النكبة ومن ولد بعدها، فهو إرث من الأجداد للأبناء للأحفاد، فكيف نفرق بين أبناء ولدوا قبل النكبة وآخرون ولدوا بعد النكبة، فمن هذا المنطلق نقول العودة حث للصغير والكبير، فأنا ابن دير أيوب، ربى والدي فيها، وغذى قلبي بسماع أنباء دير أيوب ذاكراً سهولها وجبالها وبيوتها وكل سماتها، فطفقت –بعد تشجيع الأحبة –أبحث لإحياء تراثها، وقد أفردتها بكتاب هو الأقرب إلى قلبي لأسباب لا أستطيع حصرها، وبه وصلت ماضيها بحاضرها تاركاً بكتابي هذا رسائل للتدوين كي تبقى في ذاكرة الوجدان آملاً العودة لها، فكما قال الشاعر :
وطني لو شغلت بالخلد عنه نازعتني إليه بالخلد نفسي
س39: السؤال ما قبل الأخير: ماذا تتمنى الآن ؟
أتمنى رضا المولى جل في علاه، كما وأتمنى عودة الود بين أجنحة الطائر الفلسطيني، ورجوع البلاد إل حالة العز والرقي، وأن أعود إلي بلدي دير أيوب ساكناً لا زائراً، وأن يتكاتف الأحبة المؤرخين لكي يحيوا هذا التراث بالحفاظ عليه وتدوينه فهو واجب وطني، وأتمنى أن يبقي الله الإعلام الفلسطيني ليبث تراثنا للعالم أجمعين آخذاً الطابع الذهبي الخاص بفلسطين .
س40: الشاعر والأديب الفلسطيني يوسف شحادة أطلق عليك اسم نجم التراث، ما معنى ذلك ؟
هذا السؤال أحببت أن انقله لأسمعه من حبيبنا الشيخ والأديب الشاعر يوسف شحادة والذي هو بجانبي الآن، فأجاب وقال عن هذا الوصف :
لعله من الجميل أن نصف الجمال على ماهيته، فإذا كان ذا قيمة عالية وصل نوره للآفاق وحلق في تراث البلاد فأحياها، فقليل في حقك يا شيخنا أن نقول لك نجم التراث المشع نوراً على صفحات التراث الحر يحي أمسياته، ويثلج صدر رواته ويخفف آلام الماضي بذكرها، فالبيان جادته، والتاريخ إرثه، فقد حافظ على الإرث الذي ورث، وحفظ صداقته، وكان الكريم المعطاء كما التراث، فأنت نجم لا يغيب عن الأفق وعلم رأسه النور، فما قولنا نجم التراث إلا إشارة لحصيلة ودرجة لا لحصرها وإبداء قيمتها ولكن للاعتراف بفضلها، فمثلنا قد لا يسعه بيان قيمة ما قدمتم للتراث، ولكنه المثل والصورة فنعم النجم أنت، فأنت بحر من عطاء تراث الأجداد والآباء" .
فعندما أنهى كلامه قلت له كفى بما قلت رداً على السؤال، جزاك الله كل الخير، يا أديبنا وحبيبنا والقريب لقلوبنا، وشكراً لمؤرخنا وباحثنا الدكتور جهاد سليمان المصري على هذا اللقاء والله الموفق .
هذا الموضوع من الشيخ عباس نمر بعنوان تجربتي في توثيق وتدوين التراث الشعبي
|